لا أعلم ما السبب فى أننى لا أشعر بالأنبهار عندما أسافر إلى خارج مصر , لا تبهرنى نظافة البلاد فغالبآ أقوم بالكذب على نفسى و أدعى أنها نظيفة لأن معدل هطول الأمطار فى أوروبا أكثر بكثير من مصر و نحن نعيش فى بلاد جافة حارة فبالتأكيد بلادهم أكثر نظافة , ربما أقوم بالكذب من منطلق أن كنت لا تستطيع الحصول على الأفضل أستمتع بما لديك , و غالبآ أنجح فى ذلك , ولا يبهرنى جمال نساء الغرب كثيرآ حيث أقوم بنفس الحيلة فأقنع نفسى أن هؤلاء النساء يفقدن جمالهن فى نظر الزوج بعد شهر على الأكثر كما هو الحال مع الزوجة المصرية فكل النساء سواء و كلهن نفس التفكير الجبار .
و لكن ما يبهرنى فعلآ تصرفات أهل بلاد بنى الأصفر الأخلاقية " كان العرب يطلقون لفظ بنى الأصفر على الروم و سكان أوروبا " , فهذة فقط ما يجعلنى أتوقف و أفكر , لماذا لا نقوم بمثل هذا الفعل بدون مراقبة أو عقاب , ولكى تفهموا ما أتحدث عنه سوف أقص عليكم أحد الوقائع التى حدثت معى و صدمتنى
فى أخر يوم من زيارتى إلى بولندا بلد زوجتى قام والد زوجتى بأيصالى إلى المطار و حيث انهم يعيشون بعيدآ عن العاصمة وارسو بحوالى ساعتين بالسيارة و كانت طائرتى فى السادسة صباحآ فقررنا أن نتحرك الساعة الواحدة صباحآ بعد منتصف الليل و كثير من الناس يعلم أن فى هذة البلاد الناس تنام بعد غروب الشمس أو على الأقل تغلق المحال و يذهب الجميع إلى المنزل يشاهد التليفزيون أو يقضى وقته مع العائلة فتتحول الشوارع إلى مدينة أشباح لا ترى فيها أحد من الساعة التاسعة و ربما السابعة مساء , فلكم أن تتخيلوا ما الوضع الساعة الواحدة بعد منتصف الليل , منتهى الفراغ .
ركبنا السيارة و تحركنا فى الطرق التى ما بين المدن حيث هناك لا توجد الكثير من الطرق السريعة , معظمها طرق صغيرة تتكون من حارتين فى أتجاهين معاكسين , و فى أحدى الطرق وجدنا أشارة مرور تضىء بالون الأحمر , أشارة مرور من النوع المتنقل , أى الغير ثابتة و موضوعة فى هذا المكان مؤقت , فتوقف والد زوجتى فى أنتظار الأشارة , نظرت له بأستغراب شديد و نظرت خارج السيارة و لم أجد شرطة ولا أى شخص على الأطلاق , مجرد نحن و الأشارة , صحت فى زوجتى و سألتها لماذا توقفنا , قالت أن الأشارة حمراء , أستغربت أكثر و سألتها سؤال ساخر , هل أنتم مجانين أم ماذا ؟ من الواضح أن شخص ما نسى هذة الأشارة المتنقلة على اللون الأحمر , ثم حتى لو كانت حمراء و تعنى لكم شيء , يمكننا التحرك و بالتأكيد لا يوجد أحد قادم فى الأتجاة المعاكس , كنت أتحدث كما أنه أمر مسلم به و يجب أن نتحرك , ولكن لا حياة لمن تنادى أستمر الأنتظار لمدة عشر دقائق و انا أحدث نفسى بصوت غير مسموع , بالتأكيد هؤلاء الناس مجانين , و أنضم ألينا سيارتين قاموا بالتوقف خلفنا أيضآ و لم يتحرك أحدهم و يتخطانا , أنها الثانية بعد منتصف الليل ’ بالتأكيد هذة الكاميرة الخفية , و لم تكن كذلك , فبعد عشر دقائق تغيرت الأشارة إلى الأصفر ثم الأخضر و بدأ الجميع فى التحرك و بعد بضعة أمتار تبين أن هناك أصلاحات فى الطريق مما أدى إلى ضيق الطريق و عدم أمكانية عبور أكثر من سيارة فى أتجاة واحد من الأتجاهين , و كانت توجد أشارة أخرى بعد هذة الأصلاحات و كانت تضىء باللون الأحمر و لا توجد عندها أى سيارة .
حينها أصابنى الأنبهار و الأحباط فى نفس الوقت , الأنبهار للتصرف دون أن يكون هناك رقيب , أصر والد زوجتى على الأنتظار و أنضم ألينا سيارتين و كان فى الأمكان أن يتخطى الأشارة و لم يكن ليسأله أحد أو يلومه و لكنه أنتظر حتى حان الوقت و تحرك , و الأحباط لاننى أكتشفت أننا أمامنا مشوار طويل إلى أن نصل إلى هذة الدرجة من أحترام القانون و ان يتحول كل فرد منا إلى رقيب على نفسه , ليس فى حاجة إلى شخص أخر يراقبه و يعاقبه لينفذ القانون ...... لكى الله يا مصر ..... تذكرت حينها كم السيارات التى تسير بالعكس و الأخرى التى تملاء الشوارع بالدخان و سيارات الميكروباص الحبيبة فى شارع فيصل العظيم ...... لكى الله يا مصر ...... لكى الله يا مصر ..... هل علمتم متى تتقدم مصر ؟؟