انا الشهيدة نيفين أبراهيم غطاس , المعيدة فى كلية طب القصر العينى و أبنة الطبيب المشهور أبراهيم غطاس أشهر دكتور عيون فى مصر .
لم أكن يومآ من هذا النوع من الشباب , أبى قام على تربيتنا تربية علمية مثقفة منفتحة على العالم و تقبل كل الثقافات و الأفكار و لكنه كان دائمآ يحاول أبعادنا أنا و أخوتى عن الحياة السياسية و الكلام فى السياسة , و كان هكذا منذ أن كان طبيب مبتدىء يمتلك عيادة صغيرة و يدرس فى الجامعة و أعنى مبتدىء أى فى بداية مشواره للشهرة و ليس خريج جديد , و زادت تلك النظرة للحياة السياسية فى مصر منذ أن أصبح مشهور , فهو يخاف كل الخوف على ضياع هذا المجد الذى حققة فى بلد يدين معظم سكانه بالأسلام و كثير منهم الذين لا يمتلكون عقلية متفتحة يحاولون محاربته , و لا أنكر أن هذا السبب بالذات هو سبب شهرة أبى و نجاحة , فكلما واجهه دكتور سطحى التفكير يحاول عرقلته فى الدراسة لمجرد أنه غير مسلم زاده هذا قوة و تحدى و عزيمة , كلما واجه بعض الطلاب الذين يعتقدون أن المسيحى غير مرحب به بينهم كلما زاد أصرار على أن يثبت لهم أنه أفضل منهم , و فعلآ كانوا يتحولون بعد أن يثبت لهم تفوقه إلى أصدقاء و يلعنون أيام العداوة , و الغريب أن من لهم الفضل فى نجاح أبى بعد توفيق الله , هى مساعدة أعز أصدقائة الدكتور أحمد سعيد الطنطاوى العضو البارز فى جماعة الأخوان المسلمين , فصداقتهم تمتد منذ الدراسة
الثانوية إلى الأن.
بسبب بدايات أبى الصعبة فضل أن نكون أنا و أخوتى بعيدين كل البعد عن الحياة السياسية و لكن بسبب الأنترنت و الأصدقاء بدأت أهتم يومآ بعد يوم بقضية مقتل الشاب خالد سعيد الشهيرة فى الأسكندرية , كنت أتخيل أنه من الممكن تكرار ما حدث معى أو مع أحد أخوتى , فكنت أشارك الشباب الوقفات الأحتجاجية و المظاهرات السلمية أمام نقابة الصحفيين أو أمام قلعة التعذيب فى لاظوغلى , لم أكن أبحث عن حق خالد سعيد أو غير خالد سعيد , بل كان بداخيلى خوف حقيقى من تكرار ما حدث معى او مع أى شخص عزيز على , فكنت أخرج فى المظاهرات السلمية دون علم أبى , رغم أنه كان متابع للقضية و الأحداث و كنت أرى فى عينية الرغبة فى المشاركة لتغير الوضع القائم فى بلدنا الحبيبة مصر و لكن شىء ما بداخله يمنعه من التحرك , خوف تراكم و تراكم على مدار سنين طويلة كانت نتيجتها أننا أصبحنا نخاف المطالبة بحقوقنا الشرعية .
إلى أن أتى يوم 25 يناير يوم العزة و الكرامة , يوم خروج صرخة مظلوم , يوم تحرك فية من أمن أنه يمكن أن نتحرك , من أمن اننا نستطيع التغير , يومها خرجت أنا و أعز أصدقائى هالة تدرس معيدة فى كلية صيدلة القاهرة , و لم نكن نعلم أنها سوف تتجاوز جميع الوقفات الأحتجاجية السابقة , كان كل أملنا أن يسمعنا أحد و أن يتحرك مسؤل أو يشعر بنا أحد و يقوم بتغير هذا الوضع السىء , الصرخة كانت قوية و لكنها صغيرة , لم يتجاوز المشاركين فى هذا اليوم الخمسيين أو الستين ألفآ ولكن هذا الرقم كان كبيرآ بالنسبة للوقفات السابقة , رقم لم نكن نحلم به , و العجيب أن من شارك فى هذا اليوم هم شباب الأنترنت , و ليس شباب أو رجال الطبقة الفقيرة الذين يملكون الحق الأصيل فى القيام بالثورة , فأنا معيدة فى الكلية و أبى يمتلك مستشفى و هالة معيدة و أبوها من كبار تجار الذهب فى مصر فلم نكن نسعى لتحسين أوضاعنا المالية , بل بقاء الوضع على ما هو عليه ربما يكون أفضل , كذلك الحال لمعظم المشاركين من الجامعة الأمريكية و الجامعة الألمانية و الكندية , انهم شباب لم يهانوا من قبل , فمعظمهم من أبناء الأسر الغنية , و بعض الفنانين و من ممثلين و مغنيين و تشكيليين , كان يوم 25 فعلآ يوم مختلف , أثبت فيه هذا الشباب أنه يستطيع , و وصلت الرسالة للشعب المصرى كله , و خرج الناس للشارع بالملايين يوم 28 يناير جمعة الغضب , يوم تحولت الثورة من شبابية إلى شعبية , هنا فقط تغيرت نظرة أبى و بدأ يطلب منى المساعدة فى أرسال المساعدات الطبية اللازمة إلى ميدان التحرير , بل طلب منى تكوين فريق طبى لعلاج الجرحى فى الميدان و أخذ كل المساعدات الطبية الازمة من المستشفى , لقد كان مثل السجين الذى حكم عليه بالأعدام و ينتظر تنفيذ الحكم فى أى لحظة و عندما فتح الباب قال له السجان أخرج فأنت حر , لقد سقط حكم الأعدام , فكان يقدم كل المساعدات و هو فى منتهى السعادة و وضع تحت يدى عدد من موظفى المستشفى للمساعدة فى نقل الأدوات الطبية .
و فى يوم موقعة الجمل , ألتقيت بصديقتى هالة فى الصباح الباكر من يوم 2 فبراير و وضعت مسلتزماتنا الطبية فى شنطة السيارة و أنطلقنا مسرعين إلى وسط البلد , حيث اننا كنا نقوم بترك السيارة فى ميدان العتبه و السير على الأقدام إلى ميدان التحرير و نقوم بتمريض المصابين قدر المستطاع فى هذه الظروف , و لم يكن يومآ عاديآ منذ البداية حيث كانت المواجهات ساخنة عند خط النار الملاصق للمتحف المصرى و أذا بهم يتوقفوا و يتم دخول خيل و جمال إلى ميدان التحرير وسط زهول الجميع و كان ركاب الخيل و الجمال يحملون أسلحة من سيوف و خناجر و عصى حتى أنها كانت أقرب منها لموقع تصوير مسلسل تاريخى منها إلى قوات أمن تحاول الهجوم على المتظاهريين السلميين , لم يدم زهول المتظاهرين كثيرآ حتى بدأو فى رد الهجوم على ركاب الخيل و الجمال و رأيت بعينى شباب يصاب أصابات بالغة فى الرأس و الكتف و بعضهم فارق الحياة فى هذا اليوم .
لم يمضى وقت طويل حتى وجت ثلاثة من شباب الأخوان يحملون شاب فى منتصف العشرينيات ملتحى و كانت رأسه تنزف بغزارة و هو فاقد الوعى , قام الشباب بوضعه أمامى على الأرض و قامت هالة بمساعدتى لتضميد جراحه ووقف النزيف , و الحمد لله لم يكن الجرح عميق فتمت السيطرة عليه بسرعة و لكن ظل الشاب الملتحى فاقد الوعى , لم أكن أتخيل أن هناك شخص ملتحى بهذه الطريقة التى يتبعها السلفيين و يكون فى غاية الوسامة فى نفس الوقت , لم أستطيع منع نفسى من النظر إلى وجهه المضىء كالبدر و كأن اللحية تزيدة جمالآ ووقارآ .
بدأت فى محاولة أنعاشة فبدأ يفتح عينيه شيأ فشيأ هنا فقط تمنيت لو انه يظل مغلق العينين , فعينيه الخضراوين زادته جمالآ إلى جماله و وسامة إلى وسامته , فسرت فى جسدى رعشة لم أشعر بها من قبل , و كاننى أسقط فى هوة عميقة ليس لها قرار , لم أستطيع التحدث أو سؤاله عن ماذا يشعر قبل أن يبدأ هو فى الكلام و يسأل أين أنا , جاوبته و انا أحاول أن أخفى ما أشعر به فى داخلى ,
أنت فى المستشفى الميدانى
انا بقالى قد أية نايم
مش كتير , تقريبآ نص ساعة كدة , أستريح عشان الجرح لسة بينزف
لم أكمل الكلمة حتى أنتفض كالملسوع و قال : انا لازم أرجع لولاد الكلب دول كلاب مبارك
ولم يعطينى فرصة أن أضيف أى كلمة أخرى و انتطلق خارج الخيمة إلى ساحة القتال كالأسد , لم يمضى كثير من الوقت حتى توافد علينا أعداد أكثر و أكثر من الجرحى و المصابين , كنت أنظر فى وجه كل من يأتى حتى أتبين أن كان هو أم لا فأنا لم أعرف حتى أسمه او أى شىء عنه , حاولت ان انشغل بعلاج المصابين حتى أنتصف الليل و قد نفذ منا مستلزمات الأسعاف من مكروكروم و شاش و سلك لخياطة الأصابات , فنظرت إلى هالة و طلبت منها مرافقتى للذاهب و أحضار بعض المستلزمات الأضافية من السيارة ولكن كانت تواجهنا مشكله فى الذهاب إلى السيارة فى هذة الظروف و البلطجية فى كل مكان فى وسط البلد , فأقترحت على هالة أن نسأل أحد أعضاء الأخوان لطلب المعونة , فقال انه يستطيع أن يرسل معنا أحدهم لمرافقتنا و العودة بسلام فطلب مننا الأنتظار و ذهب بضع دقائق و عاد و فى رفقته شخص أخر و كانت المفاجأة السارة أنه نفس الشاب الذى قمت بتمرضه منذ ساعات , نظرت أليه مبتسمة لم يبادلنى الأبتسامة و كانت تحمل ملامحة صرامة كالتى تكسوا وجوه ضباط الجيش , طلب مننا أتباعه و اتجهنا إلى الخروج من شارع عبد السلام عارف , و نحن فى طريقنا إلى الخارج توقف و نظر ألينا بصرامة كأنه قائدآ للجيش يلقى تعليمات المعركة على جنودة و قال , أتمنى تسمعوا كلامى دة و تنفذوه بالظبط عشان نرجع بسرعة , البلطجية فى كل حتة و لازم ناخد بالنا عشان محدش منكم يتعور ولا يتمسك , انا همشى خاليكم ورايا بالظبط مش عاوز وحدة تتصرف من دمغها ياريت , أسمك أية ؟
أخذت لحظات و انا مرتبكة فكرر السؤال : أسمك , نسيتى أسمك ولا أية ؟
أجبته بسرعة بأرتباك و كأننى فى المدرسة : نيفين أبراهيم
أنا أسمى أحمد زكريا
ثم نظر إلى هالة و قال : وحضرتك ؟
جاوبته هالة بنفس الأرتباك : هالة تدرس
توقف و نظرته تغيرت بعض الشىء و قال : نصارى ؟
سألته بستهجان : أية نصارى دى ؟
أجابنى : مفيش وقت للكلام دة يلا بينا
ثم بدأنا التحرك و انا أسمعه يقول , بسم الله الرحمن الرحيم توكلنا على الله
بعد نقاش قصير مع عساكر الجيش و كأنه يقوم بالتنسيق معهم
عبرنا الدبابات التى تفصل بين منطقة التحرير التى يتجمع فيها الثوار و الشارع المؤدى إلى ميدان طلعت حرب و كانت الساعة تجاوزت منتصف الليل بقليل و ما زال صوت التراشق يصل إلى مسامعنا , فلم يهداء بلطجية النظام و لم تنكسر عزيمة المعتصمين بقيادة الأخوان المسلمين , أخذ الصوت يخفت و يخفت و نحن نتجه بعيدآ إلى جراج البستان حيث توجد سيارتى و ما تبقى من مواد أسعافية , كان أحمد يتحرك بحذر و انا وهالة من خلفه نتوخى الحذر و كان يقود المسيرة بشجاعة منقطعة النظير و ذكاء و كأنه يعلم كل كبيرة و صغيرة فى شوارع وسط البلد , و صلنا للجراج و توقفنا أمام الباب الجانبى وسألنا , هو انتم راكنين فى الدور الكام ؟
أجبت : فى الدور الخامس
أحمد :طيب لازم نطلع و ننزل من غير الأسانسير عشان الأسانسيرات مش شغالة دلوقتى
دخالنا الجراج من مدخل السيارات و صعدنا على الأقدام فى ممرات السيارات حتى وصلنا إلى السيارة و كانت المفاجئة , لقد كان زجاج السيارة مهشم عن أخرة و تم سرقة كل محتويات السيارة بما فيها مستلزمات الأسعافات الأولية , توقفنا مصدومين للحظات إلى أن أتى فرد أمن من أمن الجراج و بداء فى الحديث مع أحمد :
الأمن : دول شوية بلطجية يا باشا جم و معاهم سكاكسن و مطاوى و كساروا كزا عربية و سرقوا اللى فيها , حاولنا نوقفهم بس
مقدرناش عليهم يا باشا , كان عددهم كبير
أحمد : طيب مبلغتوش الجيش لية ؟
الأمن : جرينا و جبنا عساكر من الجيش بس كانوا جريوا ولاد الهرمة
أحمد : طيب و أية العمل دلوقتى , هنتصرف أزاى
نيفين : أحنا فعلآ محتاجين الحاجات دى ضرورى , المصابين عددهم كبير و محتاجين أسعافات
هالة : أنا ممكن أتصرف , فى كنيسة قريبة من هنا فى شارع صبرى أبو علم , الكنيسة اللى أودام الجامع , انا أعرف الناس هناك
و ممكن يساعدونا و انا متأكدة انهم عندهم كل اللى أحنا عوزينه
أحمد : طيب يلا بسرعة , مفيش وقت
أنطلقنا ننزل طرق الجراج جريآ لتوفير الوقت , و عندما وصلنا إلى الأسفل فوجئنا بأثنين من البلطجية يحملون الأسلحة البيضاء , مجرد أن رأونا حتى أتجهوا ألينا , لم نعطيهم الوقت و بدأنا نجرى فى أتجاة صبرى أبو علم و لكن هالة كانت بطىئة فى الجرى ولاحظ أحمد أنهم سوف يلحقون بنا أذا أستمرت المطاردة بهذة الطريقة فتوقف و نظر ألينا و قال :
أحمد : أجرو أنتم و أنا هحاول أعطلهم
لم نجيب فقط فعلنا ما أمرنا به و واصلنا الجرى فى اتجاة الكنيسة , لم تكن المسافة بعيدة و لكن كانت كافية للحاق البلطجية بنا , لولا توقف أحمد أمامهم و رفع قطعة معدن وجدها على الأرض و أستخدمها كسلاح يدافع به عن نفسه , و هجم علية البلطجية واحد من اليمين و الأخر من اليسار , رفع الأول سلحه و سقط به على أحمد ولكن أحمد تفاداها برشاقة رائعة و هم الأخر بضربة ولكن أحمد كان أسرع منه وضربة فى ساقه بالقطعة المعدن فسقط , وقعت عين أحمد علينا أنا و هالة و صرخ : أجرواااااااا
أنتطلقنا حتى وصلنا لباب الكنيسة و بدأنا بطرق الباب بمنتهى القوة حتى أتى راهب من رهبان الكنيسة و سأل من خلف الباب : انتو
مين أمشوا من هنا
هالة : انا هالة تادرس أفتح بسرعة
فتح البوابة بسرعة و قال : هالة تدرس ؟ أية اللى حصل مالك بتنهجى لية يا بنتى ؟
هالة : هحكيلك بعدين المهم دلوقتى فين الأدوات الأسعافية اللى أنتم شايلنها عندكم أنا محتجاها ضرورى
الراهب : جوة متشالة فى مكانها , أدخلى و أنا هجبهملك
هالة : طيب بس فى واحد معانا جاى دلوقتى يا ريت تبقى تفتحله , دة معانا متخفش منه
الراهب : حاضر يا بنتى
دخلنا إلى الكنيسة و جلسنا نلتقط الأنفاس و ننظر إلى صورة العذراء , و كنا لا نصدق ما يحدث لنا , فبدأت بالبكاء لا أعلم أن كنت أبكى على نفسى أو على وضع البلد أو على أحمد الذى يقاتل البلطجية وحده فى الخارج
وجدت يد الراهب تربت على كتفى و يقول :
: متعيطيش دى أرادة الرب و كل شىء بمشأته هو بس , متخفيش يا بنتى , صلى و أطلبى منه كل شىء و هو سمعك , الله محبة يا بنتى
بدأت فى الصلاة أنا وهالة و ندعوا الله أن تزول هذه المحنة و أن يعيد أحمد بسلام من يد البلطجية و لم نكمل دعئنا حتى سمعنا صوت أحمد من خلفنا يسألنا :
جبتم الحاجة اللى انتم محتاجنها ؟
ألتفت بسرعة فوجته واقف فى أول الكنيسة كأنه يابى الدخول و كانت يده ملطخة بالدماء , هرعت ألية لأطمأن على حالته فوجدت
انه قد أصيب بطعنة فى ذراعه فخرجت منى صرخة صغيرة فزعآ و لوعة عليه , فرد على :
بسيطة بسيطة يالا بسرعة بس عشان الناس مستنينا
نيفين : مش ممكن لازم أطهر الجرح الأول , مش هسيبك كدة
أحمد : يا دكتورة انا كويس و دة جرح بسيط , الناس اللى هناك أهم
نيفين : بسيط ؟ دة دراعك بينزف بغزارة أنت فقدت دم كتير قوى النهاردة , لازم أعالجلك الجرح قبل ما نتحرك
لم يستطع الصمود أمام أصرارى فأستسلم ليدى تطهر الجرح و هالة تقوم بالمساعدة , و كان يجلس على أحدى البنشات التى
تتراص داخل الكنيسة و بدأ ينظر حوله و إلى السقف و كل شىء حولة و كأنه أول مرة يرى كنيسة , و قال :
أحمد : تعرفى أن دى أول مرة ادخل كنيسة بجد ؟
نيفين : لية ؟ مرحتش حتى فرح حد من أصحابك المسيحين ؟
أحمد : انا أصلآ مليش أصحاب نصارى
نيفين : أية نصارى نصارى أللى أنت مسكهلنا من الصبح دى , يا تقول مسيحين يا تقول أقباط , كلمة نصارى دى مش عجبانى
أحمد : القرأن سمى أتباع سيدنا عيسى عليه السلام النصارى
نيفين : انا مش عاوزة أدخل فى جدال دينى بجد بس فالنفرض الكلام اللى أنت بتقوله صح رغم أنى مش مقتنعة , أنتم بتقولوا على
اللى بيعبدوا البقر أية ؟ مع الفارق طبعآ بين المسيحين و اللى بيعبدوا البقر بس انا عاوزة أعرف أنتم كا مسلمين بتسموهم أية
أحمد : لما بنجيب سيرتهم بنقول سيخ مثلآ
نيفين : حلو قوى , هم بالنسبلنا و بالنسبة للمسلمين كفرة و مع ذلك بتقول عليهم سيخ , لية بقى صعبة عليكم تقولوا على
المسيحين بأسمهم ؟ و سهلة للكفرة اللى بيعبدوا البقرة ؟
كنت قد أنتهيت من تضميد جراح أحمد و تطهيرها و ضغط عليها جيدآ لأتأكد من أحكام الضمادة و فى نفس الوقت نوع من الأنتقام لما يقوله أحمد و لكنه لم يتألم أو ربما شعر بلألم ولكنه لم يظهرالألم لكى لا يعطينى متعة الأنتصار
هم أحمد بالرد على ولكن قاطعنا الراهب و قد اتى بأخر حقيبة تحتوى على الأسعافات المطلوبة , شكرته و نظرت إلى أحمد أنتظر الأوامر , فلم يكن منه ألا أن قال : يلا بينا عشان مفيش وقت
طلب مننا الراهب أن لا نخرج و نتجه إلى ميدان سيمون حيث أنه يعج بالبلطجية مما فيه خطر علينا و طلب مننا ان نخرج من الباب الخلفى و نتجهه إلى جراج البستان و سأل أحمد عن البلطجيه رد أحمد بأنهم لاذوا بالفرار كالقطط , خرجنا و نحن نتحسس الطريق و قد قاربت اليلة على الأنتهاء و كنت أحمل حقيبة و هالة تحمل الحقيبة الأخرى و أحمد كان يحمل حقيبتين و كانوا أكبر وزنآ مما أحمل انا وهالة ولكنه كان يتحرك أسرع منا و أكثر خفة و صلنا إلى شارع البستان فوجدنا مجموعة لا بأس بها من البلطجية يتحركون هنا و هناك , فكان لابد لنا ان نغير المسار و نتجه من الشوارع الداخلية إلى شارع محمود محمود وكانت مخاطرة كبيرة ولقربه من وزارة الداخلية ولكن كان هذا الطريق الوحيد فى ظل الحصار الخانق من البلطجية المنتشرين فى كل مكان , أستمرينا فى السير ببطء و حذر حتى وصلنا إلى تقاطع شارع نبار و شارع محمد محمود بجوار المدرسة الألمانية ثم انحرفنا يمينآ متجهين مباشرآ إلى ميدان التحرير , و توقف أحمد للحظات لكى يطمأن علينا و ليتفقد الطريق , ثم قال : ربنا يستر , وزارة الداخلية قريبة جدآ و أحنا لازم ناخد بلنا كويس
هالة : انا خايفة , انا خايفة قوى
نيفين : متخافيش يا هالة , هى حتة صغيرة و هنوصل الميدان
أحمد بمنتهى الششجاعة : متخفيش يا هالة خليكم جنبى بس و هنعدى منهم بأذن الله
تحركنا ببطء و نحن نترقب كل خطوة فى طريقنا إلى الميدان إلى أن وصلنا إلى السنترال فقد كان هناك مجموعة من البلطجية منتشريين و كأنه مركز لهم أو شىء من هذا القبيل , لم تدم لحظات حتى لحظوا وجودنا , صرخ بنا أحمد و قال : أجرى يا هالة أجرى يا نيفين دول جايين عالينا .
لم انظر خلفى و أنطلقت أجرى بكل ما أوتيت من قوة و كنت أنظر خلفى أثناء الجرى لأرى هالة تكافح للحاق بى و أحمد من ورائها يجرى ولكنه لا يريد أن يسبقها حتى بدأ صوت طلقات نارية يعم المكان و كنا قد وصلنا إلى مكتبة الجامعة الأمريكية و رأنا عناصر من جماعة الأخوان المسلميين و نحن نجرى فقاموا على الفور بالتحرك فى أتجاهنا و رشق المطاردين بالحجارة فتراجع البلطجية على الفور مع سيل الحجارة التى كانت تسقط عليهم من قوات الأخوان المسلمين عندما وصلت إلى السور الحاجز بين منطقة الثوار و باقى شارع محمد محمود لم أستطع منع نفسى من السقوط من التعب فأرتميت على الأرض , و ما هى ألا لحظات و لحق بت بى هالة , أنتظرت قليلآ لأارى أحمد ولكنه لم يظهر , كان عدد الشباب كبير فكانت الروأية صعبه و انا جالسة على الأرض , فوقت لأرى فوجدت ثلاثة من الشباب يحملون أحمد و يجرون به إلى الداخل , سقط قلبى حزنآ و لوعة على أحمد فجريت أليهم مسرعة , أسألهم : ماله أنتم شايلينه لية ؟
رد أحدهم : خد رصاصة فظهره
ظلوا يحملوه إلى أن وصلوا إلى أقرب مستشفى ميدانى و وضعوه على الأرض , طلبت منهم ان يتركوه فسوف أقوم على علاجه , قمت بنزع ملابسة حتى أرى الجرح و مكان الرصاصة , وكان هو يتأوه من شدة الألم , و فنظرت إلى مكان الرصاصة , فقد أصابته من الخلف و كان من اواضح أنها أصابت الرئة, كنت أعلم أنها أصابة قاتلة فلم اتمالك نفسى من البكاء , فنظر إلى بأبتسامة جميلة و قال : قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوآ أحد , نظرة ألية و عينانى تملأهما الدموع و قلت : الله محبة , كرر ما قال : قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوآ أحد
نظرت ألية وقلت : بأسم الأب و الأبن و الروح القدس ,
لم أرى يومآ أنسان يفارق الحياة و لم أكن أتخيل أن يكون أول شخص يفارق الحياة يكون هو الرجل الوحيد الذى أحببته فى حياتى , أحببته منذ أن رأيته منذ بضع ساعات , يوم ولدت هو يوم روأيتى لوجهه و يوم مت و كتبت من شهداء الثورة هو يوم ميلادى , لحظات قبل أن يفارق احمد للحياة و هو مبتسم ينظر إلى شىء فى الأفق , لا أدرى إلى ماذا ينظر و لكنه كان فرحآ مبتسمآ و كانه ينظر إلى شىء أكثر جمالا من إى شىء راه فى حياته , و انا أنظر اليه و أحمل يده فى يدى أتى أحدهم و أقترب من أذنه و قال : قول أشهد أن لا أله إلا الله و أن محمد رسول الله
نطقها أحمد بمنتهى السلاسة ثم بداء نور الحياة يخفت فى عينية و شعرت بثقل يديه فى يدى و قد فارق الحياة و خرجت روحه إلى بارئها , و بقيت روحى فى داخلى ولكنا بدون حياة , فقد ولدت و مت فى نفس اليوم , ثم سمعنا جميعآ صوت أذان الفجر يأتى من مسجد عمر مكرم : الله أكبر ألله أكبر ................
أنا الشهيدة نيفين أبراهيم غطاس من شهداء ثورة التحرير........ الشهيدة التى مازالت على قيد الحياة
الفا تيتو
القاهرة
25 أبريل 2011
No comments:
Post a Comment